الإخوان المسلمون وتهمة الصلة بالفاشية
خريطة ألمانيا
تهمة علاقة الإخوان بالفاشية تهمة قديمة ويرددها كل من أراد أن يشوه تاريخ الإخوان المسلمين، فبين الحين والآخر بخرج من يقول الإخوان أخذوا مبادئ وفكر الفاشية وطبقوه في مناهجهم وتربيتهم، وآخرين يقولون إن الإخوان كانوا على صلة بالفاشية والنازية، وآخرين يقولون أن الإمام البنا كان معجبًا بفكر وتنظيمات الفاشية وغيرها من التهم التي لن تنتهي، وليس من وراءها هدف إلا تشويه تاريخ الإخوان وتعطيل مسيرتهم.
الحاج:محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين
حتى إن الصهاينة لا يكلون عن الحديث عن علاقة الإخوان بالنازية ودور الحاج أمين الحسيني في التواصل بين الطرفين، في محاولة من الصهاينة أن يجدوا مبرر لما يقومون به من مذابح واغتصاب للأرض، وأن ما قاموا به حق مشروع أما ما قام به أمين الحسيني نحو وطنه فهذا جرم وعمالة وخيانة للسامية واتصال بالعناصر المغرضة أمثال النازية والفاشية، وأخر ما قرأته في هذا الصدد يوم 25 أغسطس 2010م على صحيفة The American Culture ماكتبه أحد المحرضين على الإسلام والإخوان والحاج أمين الحسيني تحت عنوان (New Book Fills in Gaps in the History of Islamic Terrorism).
كما حاول وحيد حامد في مسلسله الجماعة إلصاق هذه التهمة بهم وأن أفكارهم مستمدة من الفكر الفاشي.
والكل يعلم ما كانت تعانيه مصر في ظل وجود المحتل البريطاني وأثره على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
كانت بريطانيا دأبها دأب باقي الدول الاستعمارية في التعامل مع الدول المحتلة، مثل فرنسا في دول المغرب العربي وسوريا ولبنان وألمانيا في الكمرون وهولندا في اندونيسيا، إلا أنها كانت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس لاتساع مستعمراتها.
تيودر هرتزل
وبعد ظهور أفكار معاداة السامية في أوروبا عام 1896م قام تيودور هرتزل باقتراح حل للمشكلة في كتابه – دولة اليهود – حيث اقترح تأسيس وطن قومي لليهود في الأرجنتين أو فلسطين، وفي عام 1897م عقد أول مؤتمر للحركة الصهيونية في سويسرا حيث أصدر برنامج بازل في استعمار فلسطين، وتأسيس الحركة الصهيونية العالمية، وفي عام 1902م اقترح هرتزل على السلطان عبد الحميد إنشاء جامعة يهودية في القدس، فرفض ذلك، فأرسل له هرتزل رسالة يعرض عليه قرضًا من اليهود يبلغ 20مليون جنيه إسترليني، مقابل تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومنح اليهود قطعة أرض يقيمون عليها حكمًا ذاتيًا، ورفض السلطان عبد الحميد ذلك بشدة.
ومع بداية الحرب العالمية الأولى 1914م وعدت بريطانيا العرب بمساعدتهم على الاستقلال عن الدولة العثمانية؛ بشرط دخولهم الحرب إلى جانبها ضد الدولة العثمانية التي دخلت الحرب بجانب ألمانيا، وانخدع الشريف حسين بوعود بريطانيا حيث لم يجد من الدولة العثمانية غير تجاهل العرب وإهمال رغبتهم في الاستقلال.
وبينما كانت تتقدم الجيوش العربية والبريطانية نحو سوريا وفلسطين، بناء على الدعوة التي قطعتها بريطانيا على نفسها في معاهدة "حسين مكماهون" بقيام دولة عربية كبرى في الحجاز والعراق، وسوريا وفلسطين، كانت بريطانيا تعقد مع فرنسا معاهدة اقتسام الدول العربية فيما عرف باتفاق (سايكس بيكو).
واكتشف العرب بعد هذا الجهاد الشاق الطويل أنهم إنما كانوا يعملون لحساب بريطانيا، وأن الإنجليز كانوا يبيتون لهم سوء النية.
وعد بلفور
وبعد انتصار القوات البريطانية على الدولة العثمانية، اتفقت فرنسا وبريطانيا على تقسيم المنطقة العربية إلى مناطق سيطرة فيما عرف عام 1916م باتفاقية سايكس بيكو، فوضعت لبنان وسوريا تحت السيطرة الفرنسية، والأردن والعراق ومصر تحت سيطرة بريطانيا، على أن تبقى فلسطين دولية، إلا أن بريطانيا احتلت فلسطين في أكتوبر 1917م، وأعطى بلفور لليهود وعده بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين في 2/11/1917م، وكان عدد اليهود في ذلك الحين لم يتجاوز 56ألفًا مقابل 644ألف فلسطيني، أي بنسبة 8% إلى 92% ولم تتعد نسبة الأراضي التي يملكها اليهود 2% من أرض فلسطين.
وبعد ذلك تطلعت ألمانيا النازية إلى تبوء مكان الصدارة حتى ولو على حساب الغير، وما كانت تهدف من ذلك إلا مصالحها الشخصية لا مصلحة الشعوب القوية أو الضعيفة، ولذا كانت الفرصة سانحة حينما وجدت أن الشعوب العربية خاصة والشعوب المحتلة الأخرى عامة ساخطة على الاحتلال والنفوس مشحونة من تصرفاته تجاه هذه الشعوب واستغلاله ثرواتهم، فبدأت ألمانيا تتقرب إلى هذه الشعوب وتعلن سخطها على دول الحلفاء، وزاد الأمر سخونة حينما وجد هتلر أن دول الحلفاء تتبنى قضية غرس الصهيونية في فلسطين على غير رغبة الشعوب العربية والإسلامية، وتساعد على الهجرة غير الشرعية لليهود، وتمدهم بالأموال والسلاح، مما دفع هذه الشعوب لأن تتوحد للتصدي لهذا الغزو الجديد.
وليس ذلك فحسب بل تطلع كثير من المصريين لهتلر كمخلص لهم من الاحتلال البريطانية فنرى الملك فاروق نفسه ملك البلاد يسعد بانتصارات ألمانيا على الحلفاء فيقول الدكتور عاصم الدسوقي: "أما القصر فكان يتزعم تعبئة الشعور العام ضد بريطانيا وتأييد المحور تأييدا معنويا.
وليس ذلك فحسب فقد رأينا حزب مصر الفتاة المصري وسيره على نهج الفاشية والنازية في كل تصرفاته، حتى أنه رفع علم الفاشية والنازية فوق مقر الحزب وقام بزيارة لايطاليا وألمانيا.
كما عمل القائد عزيز المصري على الاتصال بألمانيا أثناء الحرب، حتى أن السير مايلز زاره في بيته وسأله عن السر في إعجابه بالألمان فقال له عزيز: أن الألمان ليس لهم مطامع في مصر وأن المعاملة الطيبة تكسبنا وإننا شعب عاطفي.
ولقد حاول عزيز المصري بعد أن وجد أن بريطانيا تضيق عليه الخناق الهرب في طائرة مصرية يصحبه اثنين من الطيارين المصريين ليسافر لألمانيا ليناصرها في حربها ضد الحلفاء غير أن الطائرة سقطت في قليوب وقبض عليه ومن معه وقدم للمحاكمة بتهمة الاتصال بألمانيا.
ومن زعماء الحركات الوطنية المصرية أيضا من اتصل بالألمان محمد أنور السادات الضابط في الجيش المصري آنذاك، وأيضا حسين توفيق والذي قام باغتيال أمين عثمان الوزير المصري لتعاونه الوثيق مع انجلترا.
يقول كمال رفعت: "في هذه الفترة كانت روح الكراهية للانجليز والإعجاب بالألمان تحرك نفرا إلى العمل بشكل منفرد في تكوينات مستقلة ومن هذه الجماعات جماعة كمال الدين رفعت".
ولهذا رأينا أن كل دول العالم اتجهت إلى التكتلات لحماية نفسها من العزلة ومن طمع الدول الكبرى فيها ولذا لم يكن غريب أن تتجه الدول العربية إلى التحالف مع ألمانيا ضد بريطانيا وفرنسا.
الحاج:محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين وجندي في الحرب العالمية الثانية.
في ظل هذا الجو عمل أمين الحسيني على التصدي لمحاولات الصهاينة السيطرة على بلاده فعمل على الاتصال بكل من يساعده على التصدي للصهاينة فوجد بغيته في الألمان لأن كل الدول الغربية كانت تناصر الصهاينة على حساب الشعب الفلسطيني.
وقد بدأت أول هذه الاتصالات في 15 تموز (يوليو)1937م بعد صدور قرارات لجنة بيل، وكان سبب اختيار أمين الحسيني لدول المحور (ألمانيا وايطاليا )،كما يقول: "إن مصلحة أمتي هي التي تملي اختياري، إن مصير فرد يعتبر لا قيمة له عندما يتعلق الأمر بمستقبل الأمة"، انه كان يرى أن انتصار الإنجليز يعني ضياع فلسطين، وبما أن ألمانيا كانت عدوة لليهود تعامل معها انطلاقاً من القول الشائع "عدو عدوي صديقي" بهذه الصفة قابل الحاج أمين هتلر.
لكن ألمانيا سرعان ما هزمت، بعدها عمل أمين الحسيني على طلب المساعدة من ملوك العرب للتصدي لليهود فتحركت الجيوش الرسمية وغير الرسمية بعد انسحاب بريطانيا من فلسطين في 15 مايو 1948م غير أنها لم تحقق شيء وهزمت أمام اليهود ما عدا الإخوان المسلمين الذين ظلوا في الحرب فترة طويلة حتى حلت جماعتهم في 8 ديسمبر وصودرت أموالهم واعتقل أعضاؤها واغتيل مرشدها، وعقدت معاهدة رودوس في مارس 1949م.
كان الإخوان المسلمون أول هيئة تبنت قضية فلسطين ودعت لها وتحركت من أجلها إعلاميًّا وسياسيًّا وجهاديًّا.
ولقد عبَّر حسن البنا عن ذلك بقوله: "فلسطين تحتل من نفوسنا موضعًا روحيًّا وقدسيًّا فوق المعنى الوطني المجرد؛ إذ تهب علينا منها نسمات بيت المقدس المباركة، وبركات النبيين والصديقين، ومهد السيد المسيح- عليه السلام- وفي كل ذلك ما ينعش النفوس ويُغذي الأرواح".
مما سبق يتضح طبيعة العلاقة للإخوان المسلمون بالنسبة لفلسطين سواء كان موجود أمين الحسيني أو عز الدين القسام أو غيرهما على رأس القضية الفلسطينية.
ولقد بدأت علاقة الإخوان المسلمين بالقضية قبل ظهور أمين الحسيني ونشأة الهيئة العربية العليا حيث كتب حسن البنا في نهاية العشرينيات من القرن الماضي في مجلة "الفتح" التي كان يصدرها الشيخ محب الدين الخطيب مقالاً ينبه فيه إلى الخطر الصهيوني على فلسطين.
كما أن الإمام البنا و الإخوان كان لهم هدف أخر وهو التصدي للمستعمر الانجليزي الموجود في أرض مصر، ومن ثم رفع الإخوان راية الجهاد ضد هذا المستعمر، وظلت الجماعة تعمل على هذا المبدأ حتى اندلعت الحرب العالمية الثانية في بداية شهر سبتمبر 1939م، وهي الحرب التي جعلت كثير من البلاد المحتلة تجد فيها مخلصا من الاحتلال فتطلعوا إلى هتلر وألمانيا.
غير أن حسن البنا وجد أن ألمانيا كبريطانيا كغيرها من سائر الدول الاستعمارية، فيقول:" ولئن كان الرايخ الألماني يفرض نفسه حاميًا لكل من يجرى فى عروقه دم الألمان، فإن العقيدة الإسلامية توجب على كل مسلم قوى أن يعتبر نفسه حاميًا لكل مسلم تشربت نفسه تعاليم القرآن.
وعن التهم التي يحاولون إلصاقها بالإخوان يقول الدكتور عبدالعظيم رمضان في كتابه تطور الحركة الوطنية في مصر (1937- 1948):"ومع أنه لا توجد إشارات إلى وقوع اتصالات بين الإخوان والمحور فيما نشر من الوثائق العربية أو الوثائق الألمانية والايطالية".
وفي حديث صحفي بين حسن البنا وصحيفة المصري العدد 4270 لعام 1949م (لم ينشر إلا بعد سقوط حكومة إبراهيم عبدالهادي عام 1949م- يقول حسن البنا: "اتهم الإخوان بأنهم على صلة بالنازية من قبل، وأن شبابهم ينظم على نسق شباب هتلر، وأن بعض تشكيلاتهم تشبه هذه التشكيلات... إلخ، ولكنى أؤكد كل التأكيد أن الإخوان لم يتصلوا بأحد، ولم تساعدهم أية دولة أجنبية بشيء مادي أو أدبي، وأنهم يسيرون على نمط إسلامي عربي مبين، ويعتمدون على إيمانهم ومواردهم الخاصة، وهذا هو في الحقيقة هو سر نجاحهم وثبات دعوتهم وجماعتهم للعواصف والأعاصير.
ولقد حاول احمد حسين (زعيم حزب مصر الفتاة) –كما تذكر الدكتور آمال السبكي في كتابها التيارات السياسية في مصر- أن يتعاون مع حسن البنا والإخوان في عمل عسكري لنصرة ألمانيا على حساب بريطانيا غير أن حسن البنا رفض لسببين، الأول عدم صلاحية السلاح الذي سيستعمل، والثاني أن الخطة تفتقر إلى المال الكافي، وأضاف حسن البنا بقوله: "انه عمل يحتمل النجاح أو الفشل والوقت لا يحتمل هذه المقامرة التي قد تسيء للعالم الإسلامي".
هذا ولقد قام الانجليز بزيارة المركز العام للإخوان المسلمين في محاولة لجذبهم في صف بريطانيا، فعقب نشوب الحرب العالمية الثانية بدأت السفارة البريطانية في مصر توفد المستشرق البريطاني هيورث دان لإجراء اتصالات مع الإخوان طالبا تأييد الجماعة الإنجليز في الحرب ضد الديكتاتورية النازية، وذلك في مقابل تقديم الإنجليز دعمًا ماليًا للإخوان قدره عشرون ألف جنيه غير أن الإخوان رفضوا التعاون إلا في مقابل الجلاء وعدم مساعدة بريطانيا لهجرة اليهود إلى فلسطين، مما دفع كولونيل كلايتون لزيارة المركز العام في أغسطس 1941م وحاول رشوة الإمام حسن البنا إلا أنه تصدى له بكل قوة وأن الجماعة إذا ارادت المال لجمعه من جيوب أعضاء الجماعة.
ثم قال له: وأنصحك أن توفر كل قرش لخزينة بلادك؛ لأننا لن نقبل شيئًا من مثلكم، كما أن الزعماء الذين تشترونهم بأموالكم لا يملكون إلا أنفسهم، أما الشعوب فلن تقبل بغير استقلالها التام مهما كلفها من ثمن، ووفروا أموالكم هذه أو اشتروا بها معدات، وواجهوا بها أعداءكم بعيدًا عنا؛ فنحن لا توجد بيننا وبين ألمانيا أو إيطاليا نزاع؛ فهلا ابتعدتم عنا وواجهتم أعداءكم.
مما عرض بعد ذلك الإمام البنا للنفي لقنا ثم الاعتقال هو ووكيل الجماعة والسكرتير العام، كما حاول الانجليز إلصاق تهمة معاونة روميل للإخوان في القضية العسكرية العليا 883 لسنة 1942م قسم الجمرك، غير أن القضاء برأ ساحة الإخوان من التهمة.
كانت هذه العلاقة بين الإخوان المسلمين وألمانيا النازية والتي لم يعثر على أية وثيقة أو مصدر يدل على هذه العلاقة، كما أن الحوادث كلها تفند الاتصال بين الطرفين وكذلك بريطانيا وغيرها من الدول التي احتلت الشعوب الإسلامية فقد كانت العلاقة بين الإخوان والحكومات الغربية الاستعمارية علاقة عداء مستمر في محاولة من الإخوان نيل استقلال البلاد، وقد اختلفت نظرة الإخوان لشعوب الغرب حيث لم يجد حسن البنا أو الإخوان غضاضة في التعامل مع هذه الشعوب على أساس المصلحة المشتركة بين الشعوب جميعًا لا على أساس المصلحة الفردية.